تمييز العقود الباطلة والمحرمة غير الباطلة في الشريعة الإسلامية

عقود باطلة 

الربا 

الربا في اللغة هو الزيادة  والنماء، يقال: ربا يربو إذا زاد ونما. قال تعالى: وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت. أي تحركت وزادت عما كانت عليه من قبل نزول الماء 

وفي الشرع هو: عقد على بعض أنواع المال مع الزيادة في أحد العوضين على الآخر، أو تأخر في البدلين أو أحدهما

والمراد ببعض أنواع المال: الأموال الربوية

والمراد بالتأخر في البدلين أو أحدهما: عدم التقابض في المجلس

حكمة تحريم الربا

سد باب المفسدة؛ إذ لو أبيح.. لاحتكر الناس النقدين، فيضيع الفقير ،وتتعطل الحرف والصنائع، ولذلك شدد الله تعالى النكير على مرتكبه، وهدده بالحرب، وبين أنه هو والإيمان لا يجتمعان، فقال: وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين

وقال صلى الله عليه وسلم: "اثنان يحاربهما الله ورسوله: آكل الربا، وعاق والديه."  الأموال الربوية 

الأموال الربوية هي

كل ما يكون طعاما للآدميين، سواء كان ذلك على سبيل الاقتيات، أو التفكه ،أو إصلاحا للغذاء أو البدن 

الذهب والفضة بأي شكل كانا

كل ما هو من الأثمان وإن لم يكن ذهبا وفضة 

روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء" وفي رواية الورق بالذهب ربا إلا      هاء وهاء

قوله: (إلا هاء وهاء)، والمعنى خذ وهات، وقيل: معناه خذ وأعط

وإذا نظرنا إلى هذه الأشياء نجد أنها: إما طعام، وإما أثمان عملات. وبالتالي كل ما يجري به التعامل من الأثمان، ويقوم مقام الذهب والفضة، كالعملات الرائجة اليوم، فهي تعتبر مالا ربويا ويجري فيه الربا إلحاقا بالذهب والفضة


  

أنواع الربا وحكمها

يمكن تقسيم الربا إلى قسمين  

القسم الأول: ربا الفضل: وهو نوعان 

الأول: بيع المال الربوي بجنسه مع زيادة مشروطة في أحد البدلين، كأن يبيع مائة غرام ذهبا بمائة وعشر غرامات. وهذا حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح: مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربي، والآخذ والمعطي فيه سواء" رواه مسلم. 

الثاني: ما يكون في القرض، وهو أن يستدين إنسان من آخر مقدارا من المال إلى أجل ،على أن يرد له مع زيادة معينة. وهو حرام بنص القرآن. قال تعالى: }ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم  ر ؤوس أموالكم لا  تَظْ  لِمُ  وْنَ  ولا  تُظْ  لَمُ  وْ نَ{البقرة 278-279

وهذا النوع من الربا كان سائدا في الجاهلية الأولى فحرمه الله تعالى في كتابه وتوعد عليه بالحرب لما فيه من المفاسد الظاهرة

القسم الثاني: ربا النسيئة، وهي نوعان 

الأول: بيع المال الربوي بآخر فيه نفس العلة إلى أجل، سواء كانا متفاضلين أم متساويين. كأن يبيع عشر كيلو غرام تمرا بعشر كيلو غرام زبيبا إلى أجل. وهذا ربا حرام لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق : يدا بيد 

الثاني: بيع المال الربوي بآخر فيه نفس العلة دون أن  يُشْ  تَرَطَ  في العقد أجل ولكن يحصل التأخير في قبض البدلين أو أحدهما عن مجلس العقد. وهذا ربا حرام بدليل ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: إلا هاء وهاء    

العينة 

تعريفه: هو أن يحتاج شخص إلى مبلغ من المال ولا يجد من يقرضه فيذهب إلى شخص يبيع له سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها منه نقدا بثمن أقل

مثاله: أن يحتاج حسن إلى ألفين وثمانمائة دولار، فلا يجدها، فيذهب إلى عمر فيشتري منه سيارة بثلاثة آلاف دولار يدفعها له بعد شهرين، ثم يقوم حسن ببيع السيارة نفسها من عمر بائعها الأول بألفين وثمانمائة دولار يدفعها حالا

وهذا البيع حرام عند الجمهور لما فيه من التحايل على الربا

بيع التورق 

التورق مأخوذ  من الوِرق، وهو الفضة، وهو هنا: أن يحتاج إلى نقد فلا يجد من يقرضه فيشتري سلعة ليبيعها من غير بائعها الأول، ويأخذ ثمنها ليدفع به حاجته فليس به حاجة إلى نفس السلعة وإنما حاجته إلى ثمنها، فيأخذ مثلا ما قيمته تسعين بمائة مؤجلا ليبيعها ويرتفق بثمنها

والفرق بينها وبين العينة أن يبيعها من غير من اشتراها منه، وسميت هذه المسألة بمسألة التورق؛ لأن المقصود منها الورق

وهذا المعاملة جائزة عند جمهور الفقهاء لعموم قوله تعالى: وَأحَلَّ الَّلُّه البَ بيْعَ وحَرمَ الربَا{ ووجه الاستدلال بذلك أن الله تعالى أحل جميع صور البيع إلا ما دل دليل على تحريمه حيث جاءت الآية الكريمة بلفظ العموم في كلمة البيع وَأحَلَّ الَّلُّه البَيعَ  

الغرر

تعريفه: هو كل بيع احتوى على جهالة أو ضمن مخاطرة أو قمارا 

من أنواع بيع الغرر

الغرر في المعقود عليه، في جنسه أو نوعه أو صفته أو مقداره أو أجله

عدم القدرة على تسليم المعقود عليه

الغرر في صفة العقد، ومن صوره

بيع الحصاة: مثل أن يرمي الحصاة على الأرض فما وصلت إليه فهو منتهى مساحة المبيع

بيع الملامسة: مثل أن يلمس المشتري الثوب دون النظر إليه، فيلزم بذلك البيع، من غير أن يكون للمشتري الخيار. ومن صوره بيع البالونات بلمس الأرقام

البيع المعلق: هو ما عل ق وجوده على وجود أمرِ آخر ممكن الحدوث، مثل أن يقول شخص لآخر: بعتك داري هذه بكذا ، إن باعني فلان داره ، فيقول الآخر قبلت

بيع الثنيا: وهي الإستثناء في البيع ،كأن يقول بعتك هذه الأشجار أو الثياب إلا بعضها ، فهذا البيع لا يجوز لجهالة المستثنى

ضربة الغواص: وهو أن يشتري من الغواص ما قد يحصل عليه من غوصه في البحر ،فيدفع المشتري الثمن وإن لم يحصل الغواص على شيء، ويعطي الغواص ما حصل عليه ولو كان أضعاف ما أخذه من الثمن

الدين بالدين

المراد به: بيع دين مؤخر بدين مثله للبائع أو لشخص آخر مثل أن يقول شحص لآخر: اشتريت منك هذا الثوب بعشرين دولارا إلى شهر، فإذا حل الأجل ولم يجد المشتري ما يقضي به الدين قال للبائع بعني الدين الذي على بكذا إلى أجل آخر

ومن صوره: أن يشتري شيئا عن طريق السلم ويقول للبائع اشتريت منك السلعة بالدين الذي لي على فلان

بيع المغصوب والمسروق

الغصب هو: استيلاء شخص على حق غيره قهرا بغير حق. والسرقة هي: أخذ مال الغير خفية. ويحرم على المسلم أن يشتري شيئا يعلم أنه أخذ من صاحبه بغير حق، لأن أخذه بغير حق لا ينقل الملكية من مالكه فيكون شراؤه شراء ممن لا يملك 

الأحكام المترتبة على الغصب والسرقة

إذا استولى على حق غيره دون وجه شرعي وجب عليه رده إلى أهله إذا كان باقيا

إذا تلف الشيِء فلا يخلو من حالين

أن يكون له مثْلٌِ  كالسيارة الجديدة، والحبوبِ فيجب عليه رد مثله 

أن لا يكون له مثْلٌ  كالحيوانات، أو كان له  مثْلٌ  ولكن لم يتمكن من تحصيله ،فيجب عليه رد قيمته 

إذا حصل في الشيء المغصوب عيب عند الغاصب وجب عليه رده وأن يدفع ما نقص من قيمته

إذا كان المغصوب مما جرت العادة بتأجيره كالبيوت، وجبت عليه أجرته مدة بقائه في حوزته وإن لم ينتفع 

 

ثانيا: عقود محرمة وغير باطلة 

بيع الرجل على بيع أخيه

المراد به أن يشتري شخص سلعة من آخر فيأتي شخص ثالث فيعرض على المشتري سلعة أجود منها بنفس السعر، أو يعرض عليه نفس السلعة بسعر أقل ليفسخ البيع. أو أن يشتري شخص سلعة من آخر فيأتي شخص آخر للبائع فيعرض عليه ثمنا أكثر لسلعته ليفسخ البيع 

وهذا محرم لقول صلى الله عليه وسلم: )ولا يبع بعضكم على بيع بعض رواه البخاري

ومثل البيع العقود الأخرى كالإجارة، فلا يجوز لمن علم أن غيره تقدم إليه و قُ بِلَ  عَ  رْضُ هُ  أن يَ  عْ  رِضَ  على المؤجر أو المستأجر فسخ العقد ليتقدم هو

النجش 

النجش هو: الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها.  وهو حرام لما فيه من تغرير المشتري، سواء كان باتفاق بين البائع والناجش أم لا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم

لا تناجشوا رواه البخاري

إذا تعرض المشتري للخديعة عن طريق النجش فله الخيار في رد المبيع إذا عبن غبنا فاحشا

بيع المباح إذا علم البائع أن المشتري يستعين به على الحرام

يحرم بيع الشيء الحلال إذا علم البائع أن المشتري يستعين به على الحرام، ومن أمثلته

بيع العنب لمن يعلم أنه يصنع منه خمرا 

بيع السلاح لمن يعلم أنه يقتل به معصوما 

بيع جهاز الفيديو لمن يعلم أنه يستعمله في الحرام

بيع الأدوية لمن يستعمله استعمالا محرما 

وسبب المنع أنه يدخل في باب التعاون على الإثم وهو ممنوع لقوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان المائدة

البيع والشراء بعد أذان الجمعة الثاني

نهى الله تعالى عن البيع والشراء بعد النداء لصلاة الجمعة، والمراد بالأذان هنا الأذان الثاني الذي يكون بين يدي الخطيب، أما الأذان الأول فلا بأس بالبيع والشراء بعده

ويحرم البيع والشراء في هذا الوقت على من تلزمه الجمعة. قال تعالى: ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع سورة الجمعة 

ثانيا: عقد الإجارة

الإجارة في اللغة: مشتقة من الأجر، وهو الجزاء على العمل. وهي اسم لما يعطى لمن قام بعمل ما، جزاءا له على عمله

وفي الاصطلاح: عقد على منفعة مباحة بعوض معلوم

مشروعية عقد الإجارة

أجمع المسلمون على أن الإجارة مشروعة جائزة، قال ابن قدامة: "وأجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة"، وعمدتهم في ذلك الكتاب والسنة. فمن الكتاب قوله تعالى:فإن أ رضعن لكم فآتوهن أجورهن سورة الطلاق6. 

ومن السنة: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطوا الأجير أجره قبل أن يَِجفَّ  عَرَُقهُ رواه ابن ماجه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى: ثلَا ثةٌ أنَا خَصْمُهُمْ يوْمَ القِيامَةِ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتهُ رجُلٌ أعْطى بي ثُمَّ غَدَرَ وَرجُلٌ بَاعَ حُرا فأكَلَ ثَمنهُ وَرجُلٌ اسْتأجَرَ أجِيرا فاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يوَفهِ  أَجْرهُ

رواه البخاري

وحكمة مشروعيتها: أن الحاجة داعية إليها، بل الضرورة؛ إذ ليس لكل أحد مركوب، ومسكن ،وخادم، فجوزت لذلك كما جوز بيع الأعيان؛ لينتفع بها من ليس له ذلك

أركان عقد الإجارة

العاقدان: وهما المؤجر والمستأجر. ويشترط في كل منهما أن يكون أهلا للتعاقد

الصيغة: وهي الإيجاب والقبول ،ويشترط فيها: موافقة القبول للإيجاب، وأن لا يطول الفصل بينهما، وعدم التعليق

المنفعة: ويشترط فيها

أن تكون مباحة

أن تكون لها قيمة مقصودة شرعا أو عرفا 

أن تكون معلومة للعاقدين

أن تكون مقدورة التسليم

الأجرة: ويشترط فيها

أن تكون منتفعا بها

أن تكون معلومة للعاقدين

أن تكون مقدورا على تسليمها


شاركنا رأيك

وهل ترى ضرورة توعية الناس بهذه الفروقات في حياتهم اليومية ومعاملاتهم؟

ونصيحه صغيرة منى 

إذا أردتَ تجارة لا تبور، فاجعل العلم الشرعي أساس تعاملك، والنية الخالصة زادك، وسنة النبي ﷺ دليلك

هذا والسلام